أسلمة المعرفة

أسلمة المعرفة

"أسلمة المعرفة" 
أ. د. إسماعيل راجي الفاروقي
مدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي- فيلادلفيا

ترجمة: فؤاد حمودة و عبد الوارث سعيد
جامعة الكويت
مقال منشور في مجلة المسلم المعاصر ، العدد 32، 1982، ص. ص. 9-23

هذا المقال هو ملخص لبحث باللغة الانجليزية قدم إلى المؤتمر الدولي الأول عن "أسلمة المعرفة" في إسلام آباد ، باكستان ، ربيع الأول 1402هـ يناير 1982م . و أصل البحث باللغة الانجليزية عنوانه: ISLAMIZATION OF KNOWLEDGE

أولا : أعراض المشكلة
تقف الأمة الإسلامية اليوم في مؤخرة الأمم، فليس هناك أمة قد تعرّضت في هذا القرن لمثل ما تعرّضت له الأمة الإسلامية من هزائم أو من إذلال . لقد هُزم المسلمون وقتّلوا وسلبت منهم أوطانهم وثرواتهم ، بل وأرواحهم وآمالهم . لقد استُعمروا واستُغلوا وخُدعوا وحُوّلوا عن دينهم إلى أديان أخرى بالقوة أحياناً وبالرشوة وبالخدعة أحياناً أخرى . ولقد قام أعداؤهم مستعينين بعملائهم في الداخل والخارج ، بصرفهم عن إسلامهم كي يتحوّلوا إلى عَلمانيين أو إلى عبيد للغرب ، وكل هذا حدث فعلاً في كل دولة بل وكل ركن من أركان العالم الإسلامي ، ورغم أن المسلمين كانوا ضحايا الظلم والعدوان في كل ناحية إلا أنهم كانوا أيضاً عرضة لتشويه سمعتهم وتلويث سيرتهم أمام الأمم.
إن صفحتهم هي أسود الصفحات في عالم اليوم . إن "المسلم" تصوّره وسائل الإعلام في أيامنا هذه دائماً وبشكل مستمر على أنه عدواني مخرّب ، مخادع ، مستغل ، قاس ، متوحش ، متمرد ،إرهاب ي، همجي ، متعصّب ، متحجّر الفكر ، متخلّف ، سقيم الرأي. إن المسلم محلّ الكراهية والاحتقار من قِبَل غير المسلمين على اختلاف ألوانهم سواء كانوا متنوّرين أو متخلّفين ، رأسماليين أو شيوعيين ، شرقيين أو غربيين ، متحضّرين أو متوحشين...
كما أن العالم الإسلامي في نظرهم ليس إلا مكاناً للصراع الداخلي والانقسامات ، والاضطرابات والتناقضات ، وهو عندهم مصدر تهديد للسلام العالمي ، ومكان يجمع بين الثراء الفاحش والفقر المدقع ، وبين المجاعات والأوبئة. إن العالم الإسلامي في نظر الناس اليوم هو "الرجل المريض" ، والعالم يراد له أن يقتنع بأن دين الإسلام يقبع وراء كل تلك الشرور.
وممّا يجعل هذه الهزيمة وهذا الإذلال وهذا التشويه الذي يلحق بالإسلام والمسلمين لا يُحتمل حقاً أن تعداد هذه الأمة الإسلامية يفوق الألف مليون ، وأنها تملك أوسع الأراضي وأغناها ، وأن مواردها الكامنة سواء كانت بشرية أو مادية أو استراتيجية تفوق سواها وأن عقيدتها "الإسلام" دين متكامل صالح إيجابي وواقعي...
وليس هناك شكّ في أن الداء هو في المسلمين أنفسهم وأن العلاج ينبغي أن يأتي من داخل الأمة الإسلامية ، ولذا فكل إجراء لا يستهدف إيقاظ وعي المسلم ومِن َثمّ تقويم شخصيته وإصلاح سلوكه إنما هو إجراء شكلي ظاهري ، لا يتعدى الترقيع الذي لا يصل إلى لبّ القضية. ولمّا كان البلاء قد عمّ المسلمين قادة وجنداً ، فإن الإصلاح الحقيقي ينبغي أن يكون إصلاحاً جذرياً وشاملاً... يجَلّي حقيقة الإسلام للجميع ويثير فيهم إرادة التغيير... إن الهدى هو في الأصل من الله ولكن على الإنسان أن يقوم بدوره ثم يَكِل الباقي إلى الله تعالى ، فنحن نعلم أن نصر الله يمنح لأولئك الذين ينصرون الله... ) وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ( (22: 40) ... ) إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ( (47: 7).
وهنا تكمن المهمة المقدسة للتربية ، فليس هناك إلا طريق واحد لإنقاذ الأمة الإسلامية إنقاذاً حقيقياً وذلك بتربية الأمة من جديد، وعلى أساس الإسلام ... وعلى كلّ فليس أمام الأمة خيار آخر . إنه الوسيلة الوحيدة الممكنة والمتاحة ، كما أنه أقلّ البدائل خسائر وتكاليف . ومع ذلك فإن وضع التربية عند المسلمين في أسوأ حالاته رغم التوسّع الهائل الذي تم إنجازه...
ففيما يتعلق "بأسلمة" التربية -إن صح هذا التعبير- فإن المؤسسات التربوية الإسلامية التقليدية لم تكن في يوم من الأيام أضعف منها اليوم . أما المؤسسات العَلمانية بمدارسها وكلياتها وجامعاتها فلم تكن في يوم من الأيام أشدّ جرأة ممّا هي عليه الآن في الدعوة إلى مبادئها اللادينية ، كما أن الأغلبية الساحقة من الشباب المسلم لم تكن في يوم أشدّ افتتاناً بهذه المبادئ والدعوات منها اليوم.
ولمّا كان النظام التربوي العَلماني قد بدأ ونما تحت الإدارة الاستعمارية ، فقد احتل أبعاداً هائلة ولم يلبث أن أبعد النظام الإسلامي من الساحة... إن التربية الإسلامية تعتمد في غالب الأحيان على الجهد الفردي ، ولا سبيل لها إلى الحصول على نصيب من الاعتمادات المالية العامة ، وحيثما توفّرت هذه الاعتمادات المالية فإن مطالب العَلمانية تفرض نفسها باسم التجديد والتقدمية والتطور ، وهذا يؤدي عادة إلى تقسيم المنهج إلى شعبتين متعارضين بل ومتناقضتين يسمّون الشعبة الأولى "التربية الإسلامية" معتبرين الأزهر هو النموذج التقليدي ، والثانية "التربية الحديثة" ، فأما الشعبة الإسلامية من المنهج فتبقى على حالها دون تغيير بدعوى المحافظة والثبات من ناحية ، ومن ناحية أخرى لأن العلمانية تخطط لإبعاد الإسلام عن الاحتكاك بالواقع وبكل ما هو حديث حتى لا يكون خريجو المعاهد الإسلامية منافسين أو أنداداً لخريجي المعاهد العَلمانية ، وهذا أمر قد خطط له المستعمر بكل تدبّر وإحكام.
أما الدّفعة الكبرى للعَلمانية فقد جاءت بعد الاستقلال ، حيث تبنتها الدولة على أنها هي طريقتها وخطّها ، فوجّهت الاعتمادات المالية العامة إليها ، بل وزادتها عَلمانية على علمانيتها بدعوى الاستقلالية أو القومية ... إن سيادة قوى التغريب والعَلمانية وما يستتبع ذلك من بعد عن الإسلام عند المدرّس وعند الطالب ، كل ذلك لا يزال يعمل عمله في الكليات والجامعات بكل قوة ولم يقم أحد بأي عمل يكبح جماح هذا الانحراف...
إن الوضع في الحقيقة أسوأ الآن ممّا كان عليه أيام الاستعمار... فقد كانت هناك حينئذ روح المقاومة والسعي وراء التحرر ووراء الحلّ الإسلامي تفعل فعلها في نفوس غالبية الناس . أما اليوم فقد حلّت محلّ هذه الروح روح الاستخفاف وعدم الاكتراث والبلادة وعدم الثقة في جميع القيادات ، وهو أمر يرجع في معظمه إلى الوعود المتكررة التي تبذل ثم يتبيّن الناس كذبها ، كما يرجع إلى القدوة السيئة لهؤلاء القادة الفاسدين الذين لا خلاق لهم ... والنتيجة لذلك كله ضياع الإتقان في كل حقل وفي كل مجال حتى أصبحت سفينة الأمة الإسلامية تغوص في كل يوم أبعد من سابقه...
ولا توجد حكومة مسلمة ولا إدارة جامعة ولا منظمة خاصة تقوم بشيء في سبيل رفع معنويات شبابنا المنهارة وإنقاذهم من هذه "التربية" التي لا تزال تسلخهم عن إسلامهم وعن أخلاقياتهم... إن برامج الإنشاءات الضخمة في الدول الغنية وما يستتبع ذلك من توسّع في الطلبة والكليات والإمكانات ... كلها تخدم أهداف العَلمانية ولا نكاد نجد نسبة ولو قليلة من هذه الإعتمادات لتطوير مضمون التربية الإسلامية أو "تحديثها" بالمعنى الحقيقي للكلمة أو تنمية ما لدى الطلاب من وعي إسلامي وملكات... وفي كل مكان نجد أن نموذج التربية الغربي هو الهدف الذي يتسابق إليه الجميع في سرعة مذهلة... ورغم كل الدعاوَى العريضة فإن المحصّلة النهائية ليست في الواقع هي النموذج الغربي بل مجرد صورة مشوّهة منه ... إن النموذج الغربي في التربية لا يختلف عن النموذج الإسلامي -- من حيث وجود تصوّر معيّن وعزيمة تدفع لتحقيقه -- وإن كان التصوّر الإسلامي مبايناً في طبيعته للتصوّر الغربي.
فالمباني والمكاتب والمكتبات والمعامل وفصول الدراسة والقاعات التي تسع الكثير من الطلاب والأساتذة ليست إلا معدات وأدوات مادية لا تغني شيئاً إذا لم يكن وراءها تصوّر معيّن ، ومن طبيعة التصوّر أنه لا يمكن أن يُستورد أو يقلَّد ، وإنما الذي يستورد هو الأدوات والمعدات المادية ، ولهذا السبب فإن المسلمين في مدى قرنين من الزمان تقريباً سادت فيهما التربية الغربية العَلمانية لم يستطيعوا أن ينتجوا شيئاً يوازي في الإبداع أو الامتياز ما في الغرب - لا مدرسة ولا كلية ولا جامعة... ولا جيلاً مميّزاً من العلماء والدارسين... إن مشكلة الانخفاض في مستوى مؤسسات عالمنا الإسلامي والتي لا نجد لها حلاّ هي النتيجة الحتمية لفقدان التصوّر الإسلامي..
إن البحث عن المعرفة كي يكون بحثاً أصيلاً لا بد أن تكون وراءه روح تدفعه ، وهذه الروح لا يمكن أن تستعار أو تستورد وإنما تتولّد من تصوّر واضح عن الإنسان والكون والحقيقة ، أي من الدين... وهذا هو الأمر الذي تفتقده التربية الإسلامية اليوم. إن قياداتنا بحكم طبيعتها لا يوجد لديها التصوّر الذي لدى الرجل الغربي ، كما أنها لجهلها وخمولها وعدم اهتمامها لا تتبنّى التصوّر الإسلامي... ولذا فالتربية عندنا يوجهها أقوام غير مستنيرين ، يَحْيون دون ثقافة حقيقية ودون تنمية..
انظر إلى المثل الأعلى للمدرس في جامعاتنا الإسلامية.. الأستاذ الحاصل على الدكتوراه من إحدى الجامعات الغربية : لقد تعلّم في الغرب وتخرّج بمعدل متوسط أو دون المتوسط ، ولما كان قد حرم في السابق من وجود الدافع الديني فإن رحلته في طلب العلم لم تكن بالطبع في سبيل الله ، بل لأهداف مادية أنانية ، أو في أحسن الأحوال قومية ، وهو لم يحصّل كل المعارف التي كانت متاحة له في الغرب ، ولم يتفوق على أساتذته الغربيين في مجالهم ، بل ولم يهضم ما تعلّمه أو تمثّله أو أعاد تقييمه في نطاق التصور الإسلامي للمعارف والحقائق كما فعل أسلافه الذين اغترفوا من علوم قدماء اليونان والهند وفارس ثم تمثّلوها وطبعوها بطابع الإسلام..
بل إن كل ما حدث هو أن هذا الأستاذ اكتفى بالنجاح والحصول على الدرجة العلمية وبأن يحصل لدى عودته إلى بلده على مركز اجتماعي يهيء له الثروة والرفعة ، ويكفيه ما قرأه من كتب أثناء الدراسة ، فلم يعد لديه الآن الوقت أو الطاقة أو الدافع لكي يزيد من نطاق معلوماته ، كما أن ظروف المعيشة وظروف العمل في بلده لا تزيده إلا تشتتاً وبعدا عن هذا الهدف ، أما طلبته فمن الطبيعي أن يتخرجوا على يديه وهم أقل كفاءة وأقل شغفاً بمهمتهم ، فإن المثل الأعلى الغربي بالنسبة إليهم يتباعد ويتضاءل ويهبط المستوى تدريجياً حتى تصبح التربية عندنا مجرد صورة مشوهة لصورتها الأصلية في الغرب..
إن المواد والمناهج التي تدرس هي نسخ معادة ممّا يدرس في الغرب، مع خلوّها من التصوّر الذي يشكل القوة الدافعة وراءها في بلادها الأصلية ، وبدون هذا التصور تصبح هذه المواد والمناهج من عوامل الضعف... وهذه المواد والمناهج الخالية من الروح تصبح -بشكل لا شعوري- ذات تأثير سيء معاد للإسلام على الطالب حيث أنها تقدم كبدائل معادية لمناهج الإسلامية لا مجرد عوامل تحديث.. إنها تجعل من خريج جامعاتنا في العالم الإسلامي إنساناً شديد الغرور مع ضحالة معارفه وسذاجة تفكيره..
وهكذا فإن مجرد إمكانية تفوّق الطالب المسلم في هذا النظام الغربي تصبح غير واردة ، لأن مثل هذه الإمكانية تتطلب إدراكاً شاملاً لمجموع المعلومات في مجال معين ، مع قوة دافعة تحثّه على أن يستوعب هذه المعلومات ثم يتخطاها ويزيد عليها... ووجود الدافع القوي لا بد منه لتحقيق هذا الإدراك الشامل ، كما أن هذا الإدراك الشامل لن يتحقق إلا بوجود قوة دافعة مسيطرة ، وهي مسألة لا يمكن أن تتولد أو تنشأ إلا حين يكون صاحبها ملتزماً بقضية يؤمن بها ، والقضية التي يمكن أن يؤمن بها المسلم حقيقة لا تكون سوى الإسلام . فإذا فقد المدرس المسلم الذي درس في الغرب الإيمان بهذه القضية عجز عن الاستيعاب الشامل للمعلومات المتاحة فلا يستطيع هو وأضرابه كأساتذة في الجامعة أن يمنحوا أيّاً من مستلزمات التفوق لطلابهم ، وإنما يقنعون في معظم الأحوال بترجمة واستنساخ ما حصّلوه ، وهو ضئيل ، ولذا فقد كُتب على طلابهم أن يكون أداؤهم وإنجازهم ضئيلاً كذلك..
إن كون الأساتذة في جامعات العالم الإسلامي لا يسيطر عليهم التصوّر الإسلامي ولا تحفزهم قضية الإسلام هو بلا شك المأساة الكبرى للتربية الإسلامية... إن الطلاب في كل أنحاء العالم الإسلامي يدخلون الجامعات ومعرفتهم بالإسلام لا تزيد على المعلومات القليلة التي يحتمل أن يكونوا قد تلقّوها في بيوتهم بالإضافة إلى ما تلقّوه في المدرسة الابتدائية أو الثانوية.. ومن الواضح أن هذا كله لا يخلق تصوّراً للإسلام أو إحساساً بالالتزام بقضية الإسلام.. إذن فالطالب المستجد يدخل الجامعة وهو (من ناحية المفاهيم ومبادئ الأيديولوجيات) كصفحة بيضاء.. قد يأتي ولديه بعض العواطف والأحاسيس ولكنه بالتأكيد خلو من المبادئ والأفكار المحددة ، وهذه العواطف إن وجدت ، سرعان ما تنهار إذا ووجهت بما يقدمه له "العلم" في مجالات التخصص على أنه "أفكار" و "حقائق" وليس لديه طبعاً تصور إسلامي واضح أو سلاح فعّال يستطيع به أن يواجه هذه الهجمات الفكرية المتتابعة ، فإذا استطاع أن يتخرّج قبل أن يكون ملحداً راسخاً في إلحاده أو عَلمانياً أو شيوعياً فسنجد أن الإسلام عنده قد أصبح مجرد ارتباط عاطفي شخصي بأسرته وببعض الأفراد من حوله ، أما الإسلام كمبدأ نابض بالحياة ، الإسلام الذي يواجه كل مشكلة بأفضل الحلول العملية ، فهؤلاء لا يدرون عنه شيئاً ، لذا سرعان يخسرون معركتهم الفكرية (الأيديولوجية) دون قتال كما خسرها جنود المماليك المصريون حينما واجهوا بسيوفهم ورماحهم جنود نابليون المزودين بالمدافع الرشاشة..
إن التصوّر الإسلامي لا يدرّس في أي مكان من العالم الإسلامي لجموع الطلاب كما يدرّس التصوّر الأمريكي لطلاب المدارس الثانوية في أمريكا ، ولا توجد جامعة في العالم الإسلامي كله تعتبر دراسة هذا التصور الإسلامي جزءاً أساسياً إجبارياً على جميع طلابها...


ثانيا :الواجب المطلوب
إن من يحتج بأن هذا التصوّر الإسلامي يدرّس في بعض الكليات الإسلامية أو بعض الأقسام العلمية يدل بقوله هذا على أنه لم يستوعب ما قلناه هنا كما أنه لا يحيط بمفهوم الإسلام.. إن التصور الإسلامي لم يقصد به أن يكون لأهل الاختصاص فقط ، كما أنه لا يعنيهم وحدهم بل هو للناس وللبشر كافة ، والقصد منه أن يرفع كل من يمتلكه هذا التصور إلى مستوى أرقى في الوجود.. إن الإسلام يستنكر كل تقسيم للبشر إلى رجال دين ورجال دنيا على أساس أنه يطالب كل الناس بمعرفة الحق والالتزام به والدعوة إليه ، وهذا التصور الإسلامي مطلوب لحماية الناس جميعاً من المبادئ والأفكار الزائفة المشؤومة التي تغزو عقولهم ، وما لم تتهيأ لكل فرد الحصانة من هذه الأمراض فستكون الأمة كلها هي الضحية.. زد على ذلك أن الإسلامي نظام عام شامل فلا بد للتصور الإسلامي الصحيح أن يتناول مظاهر النشاط الإنساني جميعاً سواء كان نشاطاً بدنياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو ثقافياً أو روحياً.. إنه ليس ديناً أخروياً فقط يقتصر على بحث أمور اللاهوت ويدع ما لقيصر لقيصر كما هو الحال في المسيحية أو البوذية ، فليس هناك ما يمكن أن يعمل أو يقال في أي متجر أو مصنع أو منزل أو مسرح أو حقل- ومن باب أولى في أي صف أو معمل في جامعة إلا والإسلام يتعرض له ويعتبره من اختصاصه.. إن التصور الإسلامي يعتبر مبتوراً مقطّع الأوصال - ومن ثمّ يعتبر ميتاً- إذا أخذ به في كلية واحدة فقط.. إن المفروض أن يكون هو المبدأ الأول المسيطر في كل فرع من فروع المعرفة.. هذه هي المهمة المطلوبة من كل رجال الفكر والقادة المسلمين ، أن يعملوا على إعادة صياغة كل ميراث البشرية العلمي من جديد من منطلق إسلامي . إن التصور الإسلامي لن يوجد حقيقة ما لم يكن تصوّراً لشيء ما.. للحياة والحقيقة والكون وهذا المضمون هو هدف الدراسة في فروع المعرفة المختلفة..
إن إعادة صياغة العلوم في ضوء الإسلام هو ما نعنيه بكلمة "أسلمة" العلوم ، ونعني بذلك إعادة صياغة المعلومات وتنسيقها وإعادة التفكير في المقدمات والنتائج المتحصلة منها، وتقييم الاستنتاجات التي تم الانتهاء إليها ، وإعادة تحديد الأهداف ، على أن يكون كل ذلك بطريقة تجعل فروع المعرفة المختلفة تثري التصور الإسلامي وتخدم أهداف الإسلام..
وللوصول إلى ذلك الهدف لا بد لقضايا الإسلام الأساسية - وأعني بها وحدة الحقيقة، ووحدة المعرفة البشرية، ووحدة الحياة، والإيمان بوجود هدف من وراء خلق الكون والإنسان، وتسخير الكون للإنسان، وعبودية الإنسان لله- لا بد لهذه القضايا كلها أن تحل محل التصورات الغربية وأن يتحدد على أساسها كيفية إدراك الحقيقة وتبويبها.. ولا يد لقيم الإسلام أيضاً – وأعني بها استخدام العلم لسعادة الإنسان، وتفتّح ملكات الإنسان دون عوائق، وإعادة النظر في العلاقات القائمة بين أنواع المخلوقات بما يجسّد الحكمة الإلهية في خلقها، وبناء الثقافة والحضارة، وبناء منارات إنسانية بارزة في العلم والحكمة والبطولة والفضيلة والتقوى والطهر- إن على قيم الإسلام هذه أن تحل محل القيم الغربية فتقوم هي بتوجيه النشاط العلمي في كل مجال...
إن هذا الواجب هو أنبل الواجبات على الإطلاق وهو أسمى تحقيق لإرادة الله وهو أساس كل فضيلة.. إن الديانات العالمية والرأسمالية الغربية والشيوعية لم تنشأ وتتطور وتحقق إنجازاتها دون أن يكون وراء ذلك فكرة وقضية تنفخ الروح في المؤمنين بها وتدفعهم إلى العمل ، فأقل ما يجب أن يقال هنا أن على المسلمين أيضاً أن تكون لهم قضية يؤمنون بها تكون حافزاً لهم إذا أرادوا أن يتحولوا من متأثرين بالتاريخ إلى مؤثرين فيه. غير أن الإسلام ليس مجرد مذهب أو مبدأ يتساوى مع هذه المذاهب التي نتحدث عنها ، فهو لا يتقدم بدعواه على أساس أن ما لديه هو اعتقاد خاص به وتجربة شخصية تخص صاحبها يمكن أن يؤمن بها الإنسان أو يرفضها على نحو اعتباطي. إن الإسلام دعوى منطقية ضرورية ذات خطورة وأهمية كما أن له فعاليته على نطاق عالمي.. إنّه دعوَى ملزمة للبشرية ، من حقه أن تعترف به البشرية وتذعن له.. أما اعتباره دعوى منطقية فالسبيل الوحيد لمواجهته يجب أن تكون بمنطق مقابل وهو أمر ينبغي على الملتزمين بالإسلام أن يرحبوا به ثم يواجهوا الحجة بالحجة.
إن كل جزئية من جزئيات الإسلام وكل علاقة له بفرع من فروع المعرفة ينبغي ألا تُقبل دون برهان مقنع ... أما بعد أن يثبت التصور الإسلامي جدارته من خلال البحث الدقيق بحيث يظهر الأمر واضحاً مجسّداً لكل ذي عينين فعندئذ لا يكون رفضه ولا مقاومته إلا نتيجة الغباء والحقد.. فأما الغباء فهو من سمات الجهلاء وفاقدي العقل ، وأما الحقد فهو من طبيعة العدو المتحامل ، وكلاهما يشكّل ما يسمّيه الإسلام "الجاهلية"...
إنّ ممّا يؤسف له حقاً أن العالم الإسلامي لا يزال خالياً من مركز علمي يتم فيه البحث والتفكير على هذا المستوى العالي ، والمطلوب وجود جامعة تعتبر مركز قيادة للفكر الإسلامي تتم فيها "أسلمة" جميع فروع المعرفة كما يتم فيها تقييم كل شيء في حجرات الدراسة وفي الحلقات والبرامج الدراسية سواء للطلاب أو الخريجين [في ضوء التصور الإسلامي].. وقبل أن يتم التعاون المشترك بين الجامعة الإسلامية في إسلام أباد وبين المعهد العالمي للفكر الإسلامي لم يكن أي معهد تربوي في العالم الإسلامي كله قد حرّك أصبعاً في سبيل "أسلمة" العلوم أو في سبيل إنتاج كتب دراسية إسلامية تستعملها الكليات في فروع المعرفة المختلفة أو في سبيل إنتاج وسائل البحث اللازمة لإخراج هذه الكتب الدراسية..
ومع ذلك فلا زلنا نسمع في كل مكان من العالم الإسلامي عن الحاجة إلى "أسلمة" التربية برجالها ومؤسساتها وكتبها الدراسة..
ولا نكاد نجد على المستوى الرسمي (حيث تكمن القدرة على اتخاذ القرارات) إلا الكلمات الجوفاء التي تصدر إمّا عن الجهلاء أو عمّن يريدون تضليل الجماهير.. إنّ اشقّ ما في الأمر هو عملية "أسلمة" العلوم ، وبالتحديد أسلمة فروع الدراسة المختلفة ، أو لعل الأفضل أن نقول إنتاج كتب دراسية جامعية تعاد فيها صياغة ما يقرب من عشرين من فروع الدراسة لتتوافق مع وجهة النظر الإسلامية.. وإلى يومنا هذا لا نجد مسلماً قد تدبّر في هذا الشأن بما يكفي لإدراك متطلباته أو تفصيل إجراءاته وخطواته التأسيسية.. إنّ كل ما فكّر فيه المصلحون عندنا في السابق هو إحراز ما لدى الغرب من علم وقوة دون أن يكون لديهم مجرد الإدراك لما بين العلوم الغربية والتصور الإسلامي من تعارض... إنّ جيلنا الحالي هو أول من اكتشف هذا التعارض كما عايشناه في نطاق حياتنا الفكرية ، إلا أن العذاب الروحي الذي فرضه هذا التعارض على ذواتنا دفعنا إلى أن نستيقظ فزعين ونحن نشعر تماما بأن الروح الإسلامي تغتصب أمام أعيننا في جامعات العالم الإسلامي..
لهذا نهضنا نستحث العالم الإسلامي على التحفز لمواجهة الخطر ، ونسعى لأول مرة في التاريخ لاحكام خطة تكبح جماحه وتقاوم آثاره ، وتدفع التربية الإسلامية من جديد في مجاريها الأصلية لكي تحقق أهدافها المقدرة..

ثالثا : نحو إيجاد حل
(1) المهمة الأولى:
إن أول شرط لازم لتحقيق المهمة هو الوعي بأبعاد المشكلة والالتزام بمعالجتها ، ولا يمكن الافتراض بأن هذا الوعي المطلوب سيتوفر لدى جميع أفراد النخبة المثقفة في العالم الإسلامي، فلا بد إذاً من غرسها وتعهدها حتى يشارك أكبر عدد ممكن منهم في تحقيقها..
وهذا الوعي الذي نتحدث عنه ليس حكرا على المسلمين الحاصلين على درجة الدكتوراه من جامعات الغرب ، فهناك احتمال كبير أن يكون لدى الحاصلين على هذه الشهادة من جامعات إسلامية مستوى من الوعي نتيجة المواجهة بين ما لديهم وبين "الأيديولوجيات" والأفكار الوافدة التي تغزو عقول المسلمين، غير أن الشر الوافد في الأيديولوجيات والأفكار الغربية لابد وأن يبقى بالنسبة إليهم سراً خفياً مبهماً لكونهم لم يتضلّعوا في فروع الدراسة الغربية.. فقد يدركون وجود هذا الشر وقد يتمكّنون من قياس آثاره غير أن طبيعته وعلاقته بفروع المعرفة المختلفة لابد وأن تفوتهم.. ولا يمكن أيضا أن نفترض وجود هذا الوعي الذي نتحدث عنه لدى جميع الحاصلين على شهادات الدكتوراه من الجامعات الغربية: بل أنّ معظمهم في الحقيقة يشكلون لب المشكلة التي نسعى لحلها.. فهم الذين يقومون دون وعي منهم بعملية تشويه (نقض) الإسلام الذي تحدثنا عنها فيما سبق.. أما أولئك الذين أنعم الله تعالى عليهم منهم بنعمة الالتزام بالإسلام كنظرية عالمية شاملة فهم الذين يعانون آلام الوقوف على حافة الهوة الفاصلة بين ما تعلّموه وبين ما يؤمنون به.. إنهم الشهود الأحياء على الجرائم الفكرية والروحية التي تقترف على الدوام ضد روح الإسلام وضد التصور الإسلامي.. . إذن فالمهمة الأولى هي تجلية هذا الوعي وتقويته، وهذا أمر يمكن إنجازه بإتباع الخطوات التالية:

الخطوة الأولى: تقسيم فروع الدراسة:
إن فروع الدراسة على الوضع الذي هي عليه الآن في أحسن حالاتها تطوراً في الغرب تحتاج إلى أن تقسم إلى أبواب، وقواعد، ومناهج ،ومسائل ، ومواضيع ، وهذا التقسيم يجب أن يعكس محتويات كتاب دراسي ممتاز يتناول مناهج هذا الفرع ومجالاته، أو بمعنى آخر محتوى مقرر في الفرع يتوجب على طلاب الدراسات العليا أن يكونوا قد درسوه واستوعبوه.. ولا يكفي أن يصاغ هذا التقسيم في تعابير اصطلاحية أو عناوين أبواب وفصول، بل لابد وأن تصاغ على شكل عبارات توضح ما تعنيه التعابير الاصطلاحية وتفسر الأبواب والقواعد والمسائل والمواضيع الكلية لهذ الفرع الدراسي في شكله الغربي الأكمل...

الخطوة الثانية: نظرة شاملة على فروع الدراسة:
لابد من نظرة شاملة تلقى على كل فرع من فروع الدراسة [الحديثة] ومقالات تكتب حوله تستجلي الخطوط العريضة عن أصل نشأته وتطوّره التاريخي ، ونمو منهجه ، واتّساع مجاله والإسهامات الأساسية التي قام بها حاملو لوائه..
إن من أهداف هذه الخطوة التأكد من أن المسلمين قد استوعبوا تماما هذا الفرع من الدراسة ومراحل تطوره في الغرب . إن هذه النظرة الشاملة إذا أصبحت واضحة وضوحا كافيا وأضيفت إليها التعليقات والحواشي الكافية ، بالإضافة إلى التقسيم الذي تحدثنا عنه في الخطوة الأولى ، سوف تشكل أداة جاهزة للبحث العلمي بالنسبة لأولئك الباحثين المسلمين الذين لديهم ما يضيفونه إلى هذا الفرع الدراسي دون أن يكونوا من أهل التخصص فيه..
أمّا بالنسبة للمتخصصين فإن هذه النظرة الشاملة سوف تشكّل أساسا لفهم عام لهذا الفرع الذي ينتظر منهم أن يصبغوه بصبغة الإسلام.. ولما كانت فروع الدراسة في الغرب قد أصبحت الآن متعددة الجوانب بسبب الثورة العلمية الحديثة من ناحية وبسب ضعف الانضباط عند المتخصصين من ناحية أخرى فإن من الضروري للباحثين المسلمين في هذا الفرع الدراسي أن يتحسسوا القضية من أساسها ويتفقوا معا على الهدف في جهودهم في "أسلمته" من حيث طبيعته وتاريخه وسماته وحدوده.. كذلك يجب أن تذيل تلك البحوث الشاملة لكل فرع دراسي بتعريف بأهم الكتب والمراجع في هذا الشأن بحيث يشمل كل الكتب والمقالات التي يعتمد عليها هذا الفرع والتي لابد منها لمن يريد التفوق فيه وذلك بشكل مبوب ومنتظم...

الخطوة الثالثة: بيان واقع الفرع الدراسي:
عند الانتهاء من الخطوتين السابقتين يجب أن يتم تحليل نقدي من وجهة نظر الإسلام لواقع الفرع الدراسي في أرقى حالات تطوره ، كما يجب التعرف على العوامل التفصيلية التي أدت بهذا الفرع في تطوره التاريخي إلى ما هو عليه وكشف أمرها ، ثم [توصيف] منهجية هذا الفرع الدراسي (أي معطياته ومعضلاته) ، ثم تقسيم هذا كله وتبويبه وبيان ما يعتبر نظرية له ، وإبراز قواعده الأساسية التي تبحث في ضوئها مشكلاته -- كل ذلك يجب أن يخضع للتحليل والاختبار بغية اختزالها ومعرفة ما بها من ملاءمة ومعقولية وتوافق مع وحدة الحقيقة ووحدة المعرفة.. كذلك يجب تحليل مشاكل الفرع الدراسي الكبرى وأفكاره الرئيسية كي نصل إلى مسلماته وأهميتها وعلاقتها بالتصور الأساسي للفرع..إن الهدف النهائي للفرع ينبغي أن يكون على علاقة وثيقة بمنهجيته وبأهدافه الأولى.. فهل حقق الفرع ما تصوره وهدف إليه منشؤوه؟ وهل أدرك حقيقة دوره في الخطة العامة للبحث عن العلم ، أي تطلع الإنسان إلى المعرفة؟ وهل حقق ما ترجوه البشرية منه كجزء من ضالتها المنشودة؟ هل حقق النماذج الربانية للخلق التي قصد أن يحققها لأجل التفهّم وللتاريخ؟ هل نجح في أن يرسي للفهم وللتاريخ نماذج الخلق الرائعة التي قصد أن يحققها؟ 

(2) المهمة الثانية:
إن الخطوات الثلاث السابقة تعني وضع المشكلة أمام المفكر المسلم وتلخص له في مجموعها ما مرّ به الفرع الدراسي من تطورات غابت عن المسلمين في فترة سباتهم.. كما يفترض فيها أن تدله بأكبر قدر ممكن من الثقة ، على طبيعة فروع المعرفة الحديثة ومناهجها المكونة لها وقواعدها ومعضلاتها وأهدافها والآمال المرجوة فيها وما أنجزته وما عجزت عنه، كما يفترض فيها أن تهيء الأرضية الصالحة للمهمة التالية وهي المهمة التي يراد بها إيجاد الرابطة بين الفرع الدراسي وبين التراث الإسلامي.. ولا بد هنا من طرح ثلاثة أسئلة رئيسية وإيجاد الجواب عليها..
أولها: ما هو الدور الذي ساهم به تراثنا الإسلامي العلمي ، ابتداء من القرآن الكريم إلى العلماء المحدثين في المجموع الكلي للمسائل التي يشملها فرع الدراسة المعني..
والثاني: من أي ناحية تعتبر مساهمة تراثنا الإسلامي متناقصة أو متوافقة مع انجازات فرع الدراسة المذكور، وأين استطاع هذا التراث أن يحقق متطلبات الفرع ومجاله ، وأين تخطى تلك المتطلبات وأين قصر عنها..
أما السؤال الثالث فهو: إن عرفنا المجالات أو الموضوعات التي لم يقدّم فيها تراثنا الإسلامي شيئا يذكر ففي أي ناحية تبذل الجهود الإسلامية منذ اليوم لكي تسد هذا الفراغ وتزيل هذا التناقض أو تعيد صياغة الشكل وتوسع مجال الرؤية.. وهذه هي الموضوعات التي يمكن أن نحاول علاجها في الخطوات الثلاث التالية على التوالي..
الخطوة الرابعة : تراث الإسلام وملاءمته:
علينا قبل القيام بأي دراسة مفصلة عن علاقة الإسلام بهذا التخصص ، أن نكتشف ما يضمّه تراث الإسلام مما له علاقة به.. إن تراث سلفنا يجب أن يظل دائما نقطة الانطلاق في تحديد هذه العلاقة . وسوف تكون "أسلمتنا" لهذا العلم فقيرة جدا إن لم نأخذ التراث في الاعتبار ولم ننتفع بنظرات السلف النافذة... غير أن من التهور أن نظن أن مساهمة التراث في هذا العلم جاهزة للباحثين المحدثين ليصلوا إليها ويقرأوها ويفهموها.. فالحق أن الباحث الحديث ليس مؤهلا حتى للبحث في التراث عن مساهمات الإسلام في هذا العلم.. والسبب هو أن تصنيفات العلم ، وأحياناً مجرد اسمه ، ليست معروفة في التراث بصفتها هذه.. وكثيراً ما ينتهي العلم الحديث بالهزيمة أمام استغلاق التراث عليه... مما يغريه بأن يتوقف في يأس عن البحث مُصدراً حكما بأن التراث لم يحو شيئاً عن موضوع الدراسة ، مع أن الحقيقة أنه "هو" لا عهد له بالتصنيفات التراثية التي تندرج تحتها أمثال تلك المواد المناسبة لهذا الموضوع.. إن التراث-ولاشك- مفتوح أمام أولئك الذين جعلوا دراسته مجالاً لتخصصهم ومشغلة عمرهم ، وأمثال هؤلاء هم الذين يُستشارون ليعيّنوا الكتب والنصوص التي تتضمن ما يتصل بهذا العلم.. يجب أن يجند هؤلاء ليستخلصوا من التراث مساهماته الرئيسية المتعلقة بمختلف الميادين التي يتناولها هذا الميدان.. [ولكننا] من ناحية أخرى نجد أن أساتذة التراث الإسلامي- على الرغم من خبرتهم به- ليسوا على إلف بالموضوعات والمشاكل والأفكار الأساسية للعلوم الحديثة.
إن الباحثين المحدَثين ليسوا في حاجة إلى كل ما تضمنه التراث متصلاً بموضوع محدد تحديداً عاماً . إن ذلك سيكون ترفاً لا مبرر له وتبديداً لطاقات ثمينة.. ومن ثمّ فإن من الضروري أن نعرّفهم بما نحتاج ، ثم نتركهم ينطلقون إلى التراث في حرية ليستمدوا منه ما هو ملائم . لهذا فان ما تثمره الخطوتان الأولى والثانية سوف يخدم هذه الغاية ، إذ يعرف أولئك الخبراء بفروع الدراسة الحديثة ، ويمدهم بمقياس للصلاحية يستخدمونه في تنقيباتهم ، ولهذا كانت الخطوتان الأولى والثانية ضروريتين للخطوة الرابعة ويجب أن تسبقاها.. أما الخطوة الرابعة فهي في الحق ذات قيمة لا تقدر بالنسبة للباحثين الذين يقومون بالخطوة الثالثة.. كما أن الخطوة الثالثة في المقابل ذات قيمة مماثلة لمن يعالجون الخطوة الرابعة.. هذه الخطوة تتضمن إعداد عدة مجلدات تضم مختارات من القراءات المنتقاة من التراث والمتصلة بكل من فروع الدراسة الحديثة ، مرتبة طبقاً للتصنيفات الخاصة لكل فرع.. هذه المختارات سوف تضع أمام العالم المسلم الحديث طريقاً ممهدة إلى التراث في مجال تخصصه..
إنها ستقدم له، في منهج موضوعي مألوف له ، أفضل ماساهم به التراث في مجموعة القضايا التي تشكل الموضوعات الرئيسية لدراسته التخصصية.. وما دام المتخصص الحديث المسلم لا يمتلك الوقت ولا الخبرة للوصول بنفسه إلى التراث (فهو في معظم الأحوال لا يعرف حتى لغة التراث) فليس من الممكن أن تتوفر له الدراسة بالتراث-بل السيطرة عليه- بغير هذه المختارات..

الخطوة الخامسة: نقد مساهمات التراث:
يجب ألا يغيب عن ذهننا ونحن نتناول أي أمر يمس تراث الإسلام ، أن هذا التراث في جملته مستمد من الوحي ومبني عليه.. إننا نعتبر "الوحي" نظاماً شاملاً -بل كاملا- من الحقائق والقيم أنزله الله سبحانه وتعالى في القرآن العظيم وفي سنة نبيه الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وتكفّل بحفظه.. فليس التراث نسخة من الوحي ، لكنه يشتمل عليه "كنقطة انطلاق" بالإضافة إلى مجمل تاريخ المعرفة والثقافة وجميع الإنجازات على كل جبهات الجهد الإنساني وعلى امتداد الحضارات التي اتصل بها المسلمون عبر القرون.
ولئن كان الوحي غير قابل للنقد ، فبيس كذلك فهم المسلمين له ولا مجمل المعرفة الإنسانية المنبثقة عنه أو المعتمدة عليه.. إن هذا العنصر البشري في التراث هو الذي يحتاج إلى التنقيح.. وإن حكمة التراث ، وأعني بها فهمنا نحن له ، وما ينبني على ذلك من ملاءمته لمختلف مشاكل عصرنا ، يجب أن نخضع للنقد المنطلق من حاجة المسلمين في الوقت الحاضر ومن متطلبات المعرفة الحديثة التي يمثلها فرع التخصص.. فإذا وجد أن التراث غير ملائم أو غير مصيب ، فعلينا أن نصححه بجهودنا الحاضرة.. أما إن كان ملائما فلنعمل لمزيد من التطوير والبلورة الخلاّقة من أجل المستقبل ، وعلى كل حال فليس هناك اليوم موقع إسلامي قابل للتطبيق والنمو وليست له علاقة بتراث الإسلام.. وللقيام بهذا يجب أن نعرف جوانب القوة والضعف في التراث ، وأن نتّخذ لهذا الموقع الإسلامي صيغة مسايرة للتراث بدلاً من الانفصال عنه انفصالا جذرياً..
لهذا، فان مهمة تقدير قيمة ما ساهم به التراث الإسلامي في كل من ميادين النشاط الإنساني تقع وجوبا على عاتق الخبراء في هذا النشاط ، فهم المرشدون إلى تحديد حاجة المسلمين في ذلك الميدان وهم المتمكنون من العلم الحديث الذي يدرس هذا النشاط.. ومن المؤكد أنهم في حاجة إلى مساعدة خبراء التراث حتى نضمن أعلى مستوى ممكن من الكفاءة والصواب في فهم التراث..

الخطوة السادسة: تحديد أهم مشاكل الأمة:
تواجه الأمة اليوم وقد انتبهت من رقادها مشاكل هائلة على كل الجبهات . إن مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وهي مشاكل مستعصية بكل المقاييس ، ليست سوى الأجزاء اليسيرة الظاهرة من مرضها الكامن في ناحيتي الفكر و الأخلاق . وإن المشكلة برمتها أو مجموعة الأسباب والمظاهر المتفاعلة مع سواها من المظاهر والآثار المتصلة بمشاكل الأمة لتتطلب مسحاً علميا وتحليلا نقديا ً. إن من الواجب أن يوجه ما في التخصص العلمي من حكمة ليحدث أثره في مشاكل الأمة ، أعني أن يتمكّن المسلمون من أن يفهموا هذه المشاكل فهماً صحيحاً ، وأن يحددوا بدقة أثرها في حياة الأمة وأن يتبيّنوا بالتحديد تأثيراتها على قضية الإسلام في العالم..
وليس لمسلم من أهل التخصص أن يتابع تخصصه العلمي لمجرد الترف العلمي الخالص المنعزل في برج عاجي ، وكأنما هو في معزل عن واقع حياة الأمة وعن آمالها وطموحاتها.. ودعاؤنا إلى الله أن يمنحنا "علماً نافعا" يجب أن يطبق على ما نلتزم به من أعمال ، وذلك بأن نوجه أنظارنا في قوة نحو مشاكلنا القائمة.. وفوق هذا كله تأتي مشكلة التخصصات العلمية ومؤسساتنا التعليمية ، أي ما فيها من إصرار على البعد عن الإسلام في مواجهة التقدم الذي ننشده في محاولات إرجاعها إلى الصبغة الإسلامية وفي الوقت ذاته يجب أن تكرس اهتماماتنا للمشاكل الرئيسية التي تؤثر على مشاكل الأمة "السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية والأخلاقية والروحية" ، بل ومشاكل الأمة في كل ميدان من ميادين الجهد الانساني..

(3) المهمة الثالثة:
بعد فهم التخصصات الحديثة والتمكّن منها ، وفهم التراث الإسلامي ، وتقدير جوانب القوة والضعف فيهما ، وبعد أن تُشخّص وتُقدّر المشاكل التي تواجه "الأمة" في مسيرتها التاريخية باعتبار أبنائها"خلفاء الله في الأرض" و "الشهداء على الناس" في التاريخ الإنساني، بعد انجاز هذا كله يصبح الوضع معداً أمام العقل المسلم ليقوم بقفزته الخلاقة ، يجب أن تفتح طريق جديدة للقرن الخامس عشر ليصبح "قرن الإسلام"، ولا بد من "إيجاد تركيبة" تجمع بين التراث الإسلامي والتخصصات العصرية وتغطي فجوة التخلف التي عانيناها عدة قرون.. لا بد للتراث العلمي الإسلامي أن يساير المنجزات الحديثة على الدوام ، ويدفع بحدود المعارف والعلوم إلى آفاق أبعد مما تصوّرته التخصصات الحديثة ، كما أن على هذه التركيبة المبدعة أن تحافظ على صلتها الوثيقة بواقع الأمة الإسلامية وذلك بأن تعكف على مشكلاتها التي تم تحديدها وتحليلها..
إن عليها حقا ً أن تهيئ الحلول الفعالة لهذه المشكلات بالإضافة إلى معالجة المشكلات المتجددة في طريق تحقيق الآمال الإسلامية.. فما هي حقيقة هذه الآمال في كل ناحية من نواحي الحياة الإنسانية وكيف تدفع هذه "التركيبة" الجديدة الأمة إلى الأمام في طريق تحقيق هذه الآمال هذا هو الموضوع الذي نعالجه في الخطوات التالية..

الخطوة السابعة: الخيارات المبدعة:
إذا اتضح للمسلم ما هنالك من علاقة وترابط بين التراث الإسلامي وبين موضوع معين أو مشكلة معينة وتبيّنت له السمات المميزة للمسألة ذات الصلة بالموضوع ، فأي خيارات يحل للمسلم سلوكها؟ لا بد أننا سنجد في كل حالة مجموعة ضخمة من الخيارات المتاحة تقترب من المثل الإسلامي الأعلى أو تبتعد عنه وتؤثر تأثيراً فعالاً أو ضعيفاً وتدفع أو تعوق الحركة نحو غايات الإسلام العليا.. فأي هذه الخيارات يكون ممكناً أو ضرورياً لا مفر منه ، مرغوباً فيه أو شرعيا؟ وأي المعايير يمكن أن تتخذ للتحقق من وثاقة الصلة بين الإسلام (بشريعته وأخلاقياته وثقافته وروحه) وبين المشكلة المعروضة؟ وما هي الوسائل التي يمكن أن تقاس بها فعالية الحلول المقترحة؟ وما هي القواعد التي يمكن على أساسها توضيح مساهمة هذه التركيبة الخلاّقة واختبارها وتقييمها وضبط تقييم التعديلات والتصويبات التي أدخلت لبيان تطورها وكفاءتها؟.
إن مشاكل الأمة الإسلامية عديدة ولن تتمكن من حلها خبرة الغرب ولا خبرة المستغربين من المسلمين الذين لا يكادون يعرفون من الإسلام إلا اسمه.. إن الحاجة ماسة وملحة إلى تحريك العقول الملتزمة بالإسلام من أهل التخصصات الحديثة في الأمة وتكليفها ببحث هذه المشكلات..

الخطوة الثامنة: إعداد الكتب الدراسية للتخصصات المختلفة:
إن العقول الملتزمة بالإسلام لن يصل أصحابها بطبيعة الحال إلى نفس الحلول لكل مشكلة ، كما لن يتفقوا على نفس الخيارات المعينة ليحددوا بها طبيعة الصلة بين الإسلام وبين كيان أمتنا الإسلامية في حاضرها ومستقبلها.. إن مثل هذا التنوع والاختلاف لن يكون شيئاً غير مرغوب فيه بل على العكس من ذلك سيكون أمراً مطلوباً مستحباً للغاية.. إننا نحتاج إلى العشرات من التحليلات النقدية المتنوعة من قبل الملتزمين بالإسلام من أهل الدراسات التخصصية الحديثة بهدف إثراء وعي الأمة الإسلامية بأمانيها وأهدافها.. بل إن أمتنا في الحقيقة لا يمكن أن يقال عنها أنها استردّت فاعلية القرون الهجرية الأولى ونشاطها ما لم يصبح الإسلام نفسه بالنسبة للمسلمين كمرجل يمور ويتدفق بالأفكار الجديدة التي تجسّد سنن الله في الكون ، ونبع دائم للخيارات الخلقية المبدعة التي تتجسّد فيها القيم والأوامر الإلهية الممثّلة في التاريخ..
إن الكتاب الدراسي المطلوب كتابته لتخصص معين في كلية أو جامعة ينبغي أن يصدر عن امتلاء بمثل هذه البصيرة النافذة في مفهوم الإسلام وبمثل هذه الخيارات المبدعة لتحقيق هذا المفهوم ، لذا ينبغي للمقالات التي تمثل الإبداعات العلمية الفردية في أي فرع كان أو موضوع أو مشكلة أن تكثر وتتجمع حتى تهيء خلفية تصورية أو مجالاً لكل ما هو متعلّق بالموضوع يمكن للتصور الإسلامي للتخصص المطلوب أن ينبع منه..
إن "أسلمة" أي تخصص علمي لا تتم بمجرد وجود كتاب دراسي واحد مهما كان موافقاً تماماً للاشتراطات السابقة ، بل لا بد من عشرات الكتب الدراسية لتنمية القدرة الذهنية للعقول المسلمة.. وقبل كل شيء فهناك حاجة ملحّة إلى كتب عديدة تغطّي الحاجات التربوية للمستويات الجامعية المختلفة (بدءاً من مستوى الطالب المستجد إلى مستوى طالب الدراسات العليا) وهناك كتب أخرى مطلوبة لإشباع حاجات المسلمين اللامحدودة ولبلورة التصور الإسلامي اللامحدود أيضاً، إلا أن مراعاة الأولويات تفرض علينا أن نكرّس جهودنا في البداية لإنتاج كتاب دراسي قياسي لكل تخصص علمي يحدد فيه بوضوح علاقة التصور الإسلامي بهذا التخصص ويستعمل كدليل عام تسير على نهجه العقول الإسلامية في المستقبل.. وأعتقد أنه لا حاجة إلى القول بأن أية محاولة لتعجل إنتاج الكتاب الدراسي الجامعي بتخطي الخطوات السابقة لا يمكن أن ينتج عنها إلا شيء هزيل.. لقد أوصانا رسول الله r إذا عملنا عملاً أن نتقنه.. إن الكتاب الدراسي الجامعي هو في الحقيقة الهدف النهائي لسلسلة الإجراءات الطويلة التي تتم يها عملية "أسلمة" التخصصات العلمية.. إنه العمل الذي يتوّج البحوث الطويلة في الخطوات السابقة..

الخطوة التاسعة: نشر ناتج "أسلمة العلوم:
ولو تم إنتاج كل هذه الأعمال من قبل الأساتذة المسلمين ثم بقيت مخزونة في حدود ملكيتهم الشخصية لكان عملاً تافها مهما بلغ من عظمته كما أنه سيكون أمراً محزناً حقاً لو بقيت في نطاق دائرة محدودة من معارف المؤلفين وأصدقائهم ، أو لا ينتفع بها إلا المؤسسات التربوية في دولتهم أو الدول المجاورة وحدها.. إن كل إنجاز يتم لوجه الله تعالى هو ملك للأمة الإسلامية كلها ولن يبارك الله في هذا الإنجاز ويتقبّله إلا إذا كان متاحاً ومهيأ لأكبر عدد من خلقه.. ومع أن المسلم يمكن بل ومن حقّه أن يكافأ مادياً على جهوده الفكرية ، إلا أن الفكر في الإسلام ينبغي أن يشيع ولا يحتكره صاحبه سعياً وراء الربح المادي.. إن معنى كون العمل لوجه الله تعالى يفرض على صاحبه أن يجعله متاحاً لكل من يرغب في أن يفيد منه وينقل ما فيه من علم بأي وسيلة كانت..
أضف إلى هذا أن مثل هذا العمل الفكري الذي يأتي كنتيجة للخطوات التي ذكرناها إنما يقصد به أن يحقق اليقظة والتنوّر والثراء الفكري لا لمسلمي العالم فقط بل للناس كافة فهؤلاء هم القراء أو قل "المستهلكون" لهذه السلعة.. وعلى كلٍّ فإن هذا العمل الفكري لكونه إسلامياً ويتم إنجازه لوجه الله تعالى ويحمل في طياته التصور الإسلامي الحقّ لا يُتوقّع منه أن يكون لمجرد البلاغ والإخبار. إن وعي الإنسانية كلها يمكن ، في حالة انبلاج التصور الإسلامي الحق ، أن يفقد توازنه القديم ويموج بالحركة مولّداً طاقات جديدة لم تعرفها البشرية من قبل..
لهذا فإن على "المعهد العالمي للفكر الإسلامي" أن يعمل على جعل الكتب والأعمال الناتجة عن الخطوات التي ذكرناها تحت يد كل أكاديمي جامعي مسلم دون مقابل ، ويجب أن يعتبر ما يقدم لهذا الأكاديمي سواء كان مقالاً أو بحثاً أو كتباً أو كراسة أو مختارات أو مقتطفات أو غيرها كدعوة شخصية له كي يساهم في هذا المشروع ويصبح هو بدوره نتيجة امتلاكه لهذا الإنتاج العلمي "منتجا" لما هو أفضل.. كما أن وضع الإنتاج العلمي للمعهد تحت تصرف كل الأكاديميين المسلمين هو أعظم مكافأة يمكن أن تقدّم إلى المؤلف المسلم في عالمنا هذا.. وليس معنى هذا أن نستبعد المكافأة المادية للمؤلف ، وإنما نقصد أنه بالنسبة للعالم الملتزم بالتصور الإسلامي وقد ابتغى بعمله وجه الله لا يمكن أن تكون هناك مكافأة أعظم من أن يتمكن من غرس هذا التصور في عقل إنسان آخر وقلبه ولا أكبر من أن يغذي هذا التصور في وعي مسلم آخر...

(4) المهمة الرابعة:
يجب أن تعقد سلسلة من المؤتمرات بين الاختصاصيين في المجالات ذات العلاقة ، وأن تكون مصمّمة لحل المشكلات التي تتجاوز نطاق التخصص الواحد.. ومعظم مشكلات "الأمة" من هذا النوع الذي يحتاج إلى كافة الأضواء التي يمكن للتخصصات العديدة أن تلقيها عليه في وقت واحد.. كذلك، يجب عقد سلسلة أخرى من المؤتمرات بين الباحثين الاختصاصيين في مختلف الجوانب أو المجالات داخل التخصص الواحد ، وذلك ليعاون كل منهم الآخر في الجانب الذي يخصّه..

(5) المهمة الخامسة:
يصبح من الضروري بعد إعداد الكتاب الدراسي والمواد السابقة عليه في الخطوات من الأولى إلى السابعة أن يدرّب أعضاء الهيئة التدريسية على كيفية استخدامه. فتيسَّر للخبراء الذين أعدّوا هذه الكتب فرصة أن يلتقوا بالهيئة التدريسية وأن يناقشوا معهم ما يفترض أن يكون موجوداً سلفاً وما لم يلقوا عليه الضوء من الآثار المتوقعة للنظريات والمبادئ والحلول التي ضمنوها مقالاتهم وكتبهم.. أضف إلى هذا أن مثل هذه اللقاءات سوف تستكشف القضايا التدريسية المتعلّقة بتقديم المواد العلمية ، وبذلك يساعدون القائمين بالتدريس على أن يصلوا إلى الهدف النهائي بكفاءة..